السبت، 27 مايو 2006

بين البايع والمشتري…

بينما كنت على مكتبي أنجز بعض الأعمال الورقية, اذ دخل شابان يسألان السكرتيرة عن كيفية التقدم لطلب وظيفة في الشركة, وكالمعتاد طلبت منهم السيرة الذاتية مع صورة ان وجدت واخبارهم بأن الشركة ستتصل بهم في حالة وجود شواغر.

هذا المشهد عاد بي الى الوراء وبالتحديد قبل ثلاث سنوات, فأنا أتذكر رحلة العناء والبحث عن العمل تحت الشمس الحارقة أو تحت قطرات المطر سيرا على الأقدام مرورا بكل الشركات – موزعا عليها السيرة الذاتية الخاصة بي كموزع جرايد الاعلانات -جريدة الوسيط (: -

وبما أنني حاصل على شهادة نظم المعلومات الحاسوبية فلم أكن أفكر أو حتى أتخيل بالعمل في مجال المبيعات, حيث عرض علي العديد من فرص العمل في هذا المجال ولكني كنت أرفضها قطعيا فقط كي لا يقال عني "بائع" . حتى شاءت الظروف أعمل كرجل مبيعات وأتفاجأ بأنني أستمتع بهذا العمل لدرجة أنني أبدعت فيه ولله الحمد.

من الصدف الطريفة أنه قبل أكثر من عشرين عاما واجهت موقفا كان غريبا بالنسبة لي يتعلق بعملية البيع والشراء, فقد طلب مني والدي – رحمه الله – أن أشتري علبة بيبسي ( بريال واحد – حيث كنت أعيش بالسعودية) , وأعطاني حينها 5 ريالات على أساس أن أرجع الباقي, وعندما أخذت علبة البيبسي من البائع أعطيته ال5 ريالات وعدت راكضا لولادي لأزف له خبر أنني كبرت واصبحت رجلا يمكنه الاعتماد عليه بشراء حاجات المنزل ولكني اكتشفت أن المسألة معقدة عندما شرح لي أنه كان من المفترض أن أسترد الباقي من البائع!!! ياااه لغة صعبة وعملية معقدة!!! كيف يمكن لطفل صغير في ذلك السن اقنعه بأن البائع هو الذي سيعطي المشتري مبلغ من المال!!

وبنفس الفترة كنت دائما أتخيل أنه لدي محل ألعاب وأنني أتاجر بها .أصف ألعابي على الأرض متخيلا أفرادا يقومون بعملية الشراء مستعينا ببعض الريالات القليلة لتجعل من اللعبة أشبه بالحقيقة.

وبالرغم من أن عمل المبيعات والذي ينطبق عليه عمل التاجر – يبدو عليه السهولة الا أن مشاكل الزبائن وعملية اقناعه والرضوخ ومزاجه تعتبر صعوبات يواجهها رجل المبيعات فهنالك من الزبائن الكريم والبخيل, العصبي والهادئ, والجكر و المتساهل, والبشوش والنكدي, أشخاص تكون وجوهم خير عليك, وآخرون ترى في بيعهم نقمة أكثر من كونها ربح.

ولكن برأيي أكثر شيئ صعب في التجارة ألا وهو الصدق والأمانة, فعندما كان رسول الله صلة الله عليه وسلم يقول :"‏ ‏التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء " , لم أكن أتخيل أن صدق التاجر أمر بغاية الأهمية يدخل صاحبه الجنة, وأنه عمل لا يستطيع جميع التجار والبائعين القيام به. الا أن الحقيقة غير ذلك فللأسف يوضع التاجر كثيرا بموقف يحتاج فيه لرد حاسم يضطر فيه للكذب أو التمويه ظانا منه أن ذلك يساعده في اتمام صفقته .

من النقاط الأخرى في أمر الببيع أن التاجر من أكثر الناس علما وايمانا بأن الرزق بيد المولى عز وجل, فعندما لا نحصل على مبيعات وتمر أيام كساد يدرك المرء فينا بأنه قصر بشيء ما مع المولى عز وجل مما يعيد ترتيب حساباته. أحد الزملاء عندما لا يقوم باتمام أي عملية بيع يتصل بوالدته طالبا رضاها معتبرا أن أحد أسباب الرزق رضاها والذي منه يكون رضا المولى عز وجل.

عالم البيع والشراء يبقى له كواليس ومهارات وغموض لا يدركها الا من مارس التجارة سوء كانت تجارة ابر ودبابيس أو حتى سيارات وطائرات.. فالتجارة تجارة , ولا يسعنا الا أن نتذكر ان تسعة أعشار الرزق من التجارة ( أو كما قال صلى الله عليه وسلم ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق