قبل خمسين يوما تقريبا انتقل الى مثواه الأخير والدي عصام ياسين.. وفي كلماتي التالية لن أتحدث عن والدي فهو أعظم من بضع كلمات تقال عنه, ولن أتحدث عن طفولتي وعنايته بي, ما يلي بعض وقفات أتمنى من الجميع الاستفادة منها داعيا المولى عز وجل أن يرحمه ويرحم جميع ابائنا ويغفر لهم ويدخلهم جناته .. اللهم آمين.
عش كل لحظة مع اباك
لمن لا يعلم فقد كان أبي تقريبا شبه مقعد بسبب حالته المرضية منذ زمن طويل, ومنذ أن كنت في المرحلة الاعدادية كنت أعود من المدرسة الى البيت وأجده اما على مقعده أو على "الكنباي" .. ولأنه كان لا يستطيع الكلام الا انني كنت أرى تلك الابتسامة على شفتيه مستبشرا بدخولي وبدخول أبنائه اما قادمين من المدرسة أو الجامعة أو العمل.
كنت فورا اسلم عليه وأقبل يديه … واستمر هذا الموقف في الثانوية , وكذلك بالجامعة وما بعد الجامعة….أما الآن.. فأدخل الى المنزل , الى نفس الحجرة , انه نفس ذلك المقعد الذي يجلس عليه .. ولكنه غير موجود … وتلك الابتسامة غير موجودة .. وتلك اليدين ذهبتا معه.
استغل كل لحظة وجود أبوك معك, ابدأ بالسلام وجرب تقبيل اليدين… لم أشعر أهمية هذا الموقف وحلاوته الا بعد ذهابه… رحمك الله يا أبتاه.
في المستشفى.. حالته الصحية خطرة… وابنه (أخي) خارج البلاد .. لم يره منذ ثلاث سنوات.. ياترى هل سيلحقه؟؟؟
لقد وصل أخي للبلاد .. انها الساعه التاسعه… " خلينا نروح على المستشفى طوالي من المطار " … الأمن يمنعون أخي من الدخول لانتهاء فترة الزيارة…. ولكن اصرار اخي واثبات قدومه من المطار جعلهم " غصبن عنهم " يدخل…. وبالفعل يدخل على والدي ….. لقد استيقظ أبي .. نعم … رغم الغيبوبة التي كان فيها وعدم الاحساس بما حوليه الا انه استيقظ على دخول أخي .. ولم يكتفي أخي بذلك …. بل تحدث معه لمدة ساعتين وأبي يسمعه ويدرك بما يقول….
بعد عشر ساعات من لقائهما.. أخي يقرأ الفاتحة على أبي… نعم … بعد غياب 3 سنين تمكن أخي من اللحاق بأبي واستيقظ أبي عليه … يااااا الهي !!! تخيلوا الموقف لو أن أخي لم يلحق بأبي … بالتأكيد لن يسامح نفسه….
لاتحرم نفسك من العيش مع أبوك أكثر وقت ممكن.. فلأنفاسه شعور مختلف, والشعور بوجود من هو أكبر منك ومن هو يتحمل مسؤوليتك ويحب رؤيتك ويخاف عليك لشعور عظيم… وخير مثال غياب أخي وتعلق أبي فيه وكأنه لايريد أن يفارق الدنيا الا بعد أن يراه.
مشهد واقعي
أخي خرج مع صديق له من الرياض الى عمان ليرى كل منهم ابوه وأمه على التوالي… أخي تمكن من اللحاق بأبي قبل وفاته… الا أن صديقه لم يستطع اللحاق بأمه وتوفت أمه وهو بالطريق اليها …. يا سبحان الله….
( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى الى أجل مسمى ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )
أخواني , أخواتي,
الكلام الذي كنت أريد أن أكتبه كثير وكثير , ولكني بصراحه تفاجأت عند الكتابة عدم مقدرتي عن التعبير بهذا الموضوع…. الأفكار عديدة وألم الفراق كبيرة.. ولكن لا تقول غير الحمدلله على كل شيء..
نعم.. الحمدلله على كل شيء دائما وأبدا…..
الحمدلله الذي رزقنا بأب مسلما…
الحمدلله الذي رزقنا بأب عطوف حنون…
الحمدلله الذي أكرمنا بأب اختار لنا أما رائعة..
الحمدلله الذي رزقنا بأب كان عابدا طائعا ..
الحمدلله الذي رزقنا بأب كان يقضي حق الشريعة ..
الحمدلله , فلم يكن أبانا سكيرا ولا مقصرا ولا مسرفا ولا بخيلا ولا سيء الخلق ولا عاصيا
الحمدلله الذي أعطانا أب ربانا أحسن تربية وعلمنا خير تعليم..
الحمدلله الذي رزقنا بأب لم يقصر في حق تربيتنا
الحمدلله الذي أهدانا أب نفتخر أمام العالمين اننا أبناؤه
الحمدلله الذي وهبنا أب أحبنا وكنا فلذة كبده…
الحمدلله دائما وأبدا على كل شيء …
سائلين المولى تعالى بأن أكون خير خلف وخيرالأبناء البارين له ان شاء الله .
حفظ الله لكم آباؤكم جميعا ..
معتذرا عن ردائة ترتيب الأفكار,
وطالبا من كل من قرأ ما سبق أن يتلو الفاتحة على روح أبي رحمه الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محمد بن عصام ياسين
الحمد لله على كل شيء في السراء والضراء والموت قدر محتم يجلب معه الكثير من الحزن لكن لماذا لا تنظر له من جهة أخرى فالحمد لله توفي أباك وهو بين أولاده وأحبابه وليس بالغربة بعيد عنكم لاتعرفون أخباره أو لا سمح الله كان سيئا معكم فترك فيكم ذكرى جميلة فهناك مئات الأشخاص الذين لا يترحمون على آبائهم وترك ورائه أفضل أعماله التربية الجيدة ونجاح أبنائه في حياتهم وأدعو له بالرحمة وأن يسكنه الله فسيح جناته.
ردحذف