السبت، 17 ديسمبر 2011

البو عزيزي.. شرارة الربيع العربي

قبل أكثر من عام, لم يكن أحد منا يعرفه, وان عرف فان دوره هامشي في هذه الحياة.. هو صاحب أشهر عربة خضار في التاريخ, ومشعل الثورات العربية وصاحب بداية انتفاضة الربيع العربي.. انه التونسي محمد البو عزيزي.

يصادف اليوم موت محمد البو عزيزي بعد أن أضرم النار في نفسه احتجاجا على الظلم الذي تعرض له من قبل السلطات البلدية التونسية عند مصادرة مصدر رزقه عربة الخضار التي يعمل عليها. البو عزيزي الذي تعرض للضرب من قبل شرطية قالت له ارحل, لم يكن يعلم أن الكف الذي تلقاه سيكون ثمنه غاليا على رأس النظام التونسي, ولم يخطر بباله أن كلمة ارحل التي قالتها الشرطية له ستكون الصرخة التي سيوجهها الشعب التونسي لرئيس دولتهم المخلوع زين العابدين بن علي.

القصة بدأت عندما اعترض عناصر من الشرطة في فجر الجمعة 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 عربة الفاكهة التي كان يجرها محمد البوعزيزي في الأزقة محاولا شق طريقه إلى سوق الفاكهة وحاولوا مصادرة بضاعته. عم البوعزيزي رأى الواقعة فهرع لنجدة ابن أخيه وحاول إقناع عناصر الشرطة بأن يدعوا الرجل يكمل طريقه إلى السوق طلبا للرزق. ثم ذهب العم إلى مأمور الشرطة وطلب مساعدته، واستجاب المأمور وطلب من الشرطية فادية حمدي التي استوقفت البوعزيزي برفقة شرطيين آخرين أن تدعه وشأنه. الشرطية استجابت ولكنها استشاطت غضبا لاتصال عم البوعزيزي بالمأمور.

ذهبت الشرطية فادية حمدي إلى السوق مرة أخرى في وقت لاحق، وبدأت مصادرة بضاعة البوعزيزي ووضعت أول سلة فاكهة في سيارتها وعندما شرعت في حمل السلة الثانية اعترضها البوعزيزي، فدفعته وضربته بهراوتها. ثم حاولت الشرطية أن تأخذ ميزان البوعزيزي، وحاول مرة أخرى منعها، عندها دفعته هي ورفيقاها فأوقعوه أرضًا وأخذوا الميزان. بعد ذلك قامت الشرطية بتوجيه صفعة للبوعزيزي على وجهه أمام حوالي 50 شاهدا. عندها عزّت على البوعزيزي نفسه وانفجر يبكي من شدة الخجل. وبحسب الباعة وباقي الشهود الذين كانوا في موقع الحدث، صاح البوعزيزي بالشرطية قائلا: "لماذا تفعلين هذا بي؟ أنا إنسان بسيط، لا أريد سوى أن أعمل".

حاول أن يلتقى البوعزيزي بأحد المسؤولين لكن دون جدوى. ثم عاد إلى السوق وأخبر زملاءه الباعة بأنه سوف يشعل النار في نفسه ولكنهم لم يأخذوا كلامه على محمل الجد. وقف البوعزي أمام مبنى البلدية وسكب على نفسه مخفف الأصباغ (ثنر) وأضرم النار في جسده. اشتعلت النيران، واتصلوا الناس بالشرطة، لكن لم يأت أحد. ولم تصل سيارة الإسعاف إلا بعد ساعة ونصف من إشعال البوعزيزي النار في نفسه.

أدى حادث محمد البوعزيزي إلى احتجاجات من قِبل أهالي سيدي بوزيد في اليوم التالي، يوم السبت 18 من كانون الأول/ديسمبر عام 2010م، حيث قامت مواجهات بين مئات من الشبان في منطقة سيدي بوزيد وقوات الأمن. المظاهرة كانت للتضامن مع محمد البوعزيزي والاحتجاج على ارتفاع نسبة البطالة، والتهميش والإقصاء في هذه الولاية الداخلية. سرعان ما تطورت الأحداث إلى اشتباكات عنيفة وانتفاضة شعبية شملت معظم مناطق تونس احتجاجاً على ما اعتبروه أوضاع البطالة وعدم وجود العدالة الاجتماعية وتفاقم الفساد داخل النظام الحاكم. حيث خرج السكان في مسيرات حاشدة للمطالبة بالعمل وحقوق المواطنة والمساواة في الفرص والتنمية.

أجبرت هذه الانتفاضة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي -الذي كان يحكم البلاد بقبضةٍ حديدية طيلة 23 سنة - على التنحي عن السلطة والهروب من البلاد خِلسةً إلى السعودية في 14 يناير 2011.

كتب محمد البوعزيزي على الفيس بوك رسالة لأمه قبل أن يحرق نفسه قال فيها:

مسافر يا أمي، سامحيني، ما يفيد ملام، ضايع في طريق ماهو بإيديا، سامحيني إن كان عصيت كلام لأمي، لومي على الزمان ما تلومي عليّ، رايح من غير رجوع, يزي ما بكيت وما سالت من عيني دموع، ما عاد يفيد ملام على زمان غدّار في بلاد الناس، أنا عييت ومشى من بالي كل اللي راح، مسافر ونسأل زعمة السفر باش ينسّي ‫ محمد بو عزيزي.

توفي محمد البوعزيزي يوم الثلاثاء 4 يناير/كانون الثاني عام 2011م عن عمر 26 سنة متأثراً بالحروق التي أصيب بها منذ 18 يوماً. وقال النقابي وشاهد العيان كمال العبيدي في اتصال هاتفي مع وكالة الأنباء الألمانية أن أعداداً كبيرة من قوات الأمن "منعت باستعمال الضرب مشيـّعي الجنازة من المرور أمام مقر المحافظة" بعد أن كان سالم - شقيق محمد البوعزيزي - قد أعلن أن الجنازة ستمرّ أمام مقر الولاية. وقد شيع جثمانه الآلاف. وقد أعربت والدته عن شعورها بالفخر بما قام به ابنها وبالدور الذي لعبه في تحقيق التغيير في البلاد. كما سحبت شكواها ضد الشرطية فادية حمدي في 19 أبريل 2011 لتجنب الكراهية وللمساعدة في مصالحة سكان سيدي بوزيد قبل أن يحكم القاضي بشطب القضية ويأمر بالإفراج عنها.

وتخليدا لذكراه, رفض سالم أخو محمد البوعزيزي عرضان من رجلي أعمال خليجيين لشراء عربة شقيقه التي كان يبيع عليها الفواكه بلغ أحداهما 20 ألف دولار أمريكي. فقد أكد سالم وهو الذي يعمل نجاراً "مستحيل أن أبيع العربة، ليفهم الجميع إنها ليست للبيع، أريد أن احتفظ بها كذكرى من أخي"، لكن ما قد يقبل به في يوم ما "هو أن يتم وضعها في أحد الساحات كمعلم" في مدينته.

أما في فرنسا، فقد أعلن بيرتراند ديلانو -عمدة العاصمة الفرنسية باريس- في 4 فبراير 2011 عن إقامة تمثال تذكاري تخليداً للبوعزيزي. وقال ديلانو أنه سيعمل على إطلاق اسم البوعزيزي على أحد ميادين باريس، لأن هذا الشاب "يعد رمزاً لكفاح تونس من أجل الديمقراطية والعدالة والحرية".

وفي 27 أكتوبر 2011، اختاره البرلمان الأوروبي مع أربعة مواطنين عرب آخرين للفوز بجائزة ساخاروف لحرية الفكر. (بتصرف - ويكيبيديا ومواقع أخرى)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق