
قصة حب نفتقدها ليس فيها تجريح رغم كثرة المشاكل التي كانت لا بد أن تجعل هذا المنزل ينهار.. هي قصة حب زينب بنت سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وابن خالتها أبوالعاص ابن الربيع خالته السيدة خديجة، رجل من أشراف قريش، وكان هذا قبل بعثة النبي، وكان النبي يحبه، ويبادله هذا الحب أبو العاص.
تبدأ القصة بأن جاء أبو العاص للرسول صلى الله عليه وسلم ليخطب زينب فقال له النبي: لا أفعل حتى أستأذنها.. ويدخل النبي على زينب يقول لها: إن ابن خالتك جاءني وقد ذكر اسمك, فهل ترضينه زوجاً لك؟ فاحمر وجهها وابتسمت..
وتزوجت السيدة زينب بأبو العاص وتبدأ قصة الحب الكبير بينهما، ثم أنجبت منه طفل وطفلة :علي وأُمامة. وعاشا معاً قصة حب جميلة داخل مؤسسة الزواج، ولكن ستبدأ مشكلة كبيرة ستعصف بقصة الحب هذه.
فالذي حدث أن النبي صلى الله عليه وسلم بُعث، وأصبح نبياً وأبو العاص كان مسافراً. وعندما عاد وجد أن زوجته قد أسلمت، وكان قد سمع الأخبار أن والد زوجته أي النبي صلى الله عليه وسلم قد بُعث.
وعندما دخل أبو العاص على السيدة زينب أسرعت وبفرح تقول له: عندي لك خبر عظيم. فقام وتركها، فاستغربت، ثم أخبرته بما حدث وأنها أسلمت.
فقال لها : هلا أخبرتني أولاً؟
وهكذا ستبدأ المشكلة، وهي مشكلة إيمان وعقيدة.
قالت: ما كنت لأُكذب أبي، وما كان أبي كذاب .. إنه الصادق الأمين.. ولست وحدي، لقد أسلمت أمي وأسلمت إخوتي، وأسلم ابن عمي علي بن أبي طالب، وأسلم ابن عمتك عثمان بن عفان، وأسلم صديقك أبو بكر الصديق.
فقال: أما أنا فلا، لا أحب أن يقول الناس خذل قومه وكفر بآبائه إرضاءً لزوجته.
ثم قال لها:هلا عذرت وقدرت.. ثم قال لها: وما أبوك عندي بمتهم..
فقالت السيدة زينب - المرأة المؤمنة التي تحرص في الحفاظ على أسرتها- : ومن يعذر إن لم أعذر أنا، ولكن أنا زوجتك أعينك على الحق حتى تقدر عليه.
ووفّت السيدة زينب بكلمتها، عشرين سنة صابرة عليه، وكان في هذه المرحلة لم يمنع زواج المسلمة بالكافر بعد.
ولقد فارق ابناء أبي لهب بنات النبي بعد البعثة. وحاول المشركون أن يفارق ابو العاص بنت رسول الله زينب ولكنه رفض ذلك وبقوة. واستمر أبو العاص على كفره، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يمنعها عن زوجها رغم أنه لم يدخل الإسلام..
وجاءت الهجرة، وذهبت زينب إلى والدها وقالت له: يا رسول الله أتأذن لي أن أبقى مع زوجي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:ابق مع زوجك وأولادك..
وبقيت في مكة لغاية الحدث الشديد العصيب، غزوة بدر، فأبو العاص زوجها قرر أن يذهب مع كفار قريش لمحاربة النبي صلى الله عليه وسلم. فحزنت السيدة زينت وبكت بكاءً شديداً وكانت تقول: اللهم إني أخشى من يوم تشرق شمسه فييتم ولدي أو أفقد أبي.ويخرج مع الكفار ويشارك في غزوة بدر، وتنتهي المعركة ويأسر أبو العاص ابن الربيع زوجها.
وتأتي الأخبار إلى مكة فتسأل : ما فعل أبي؟
فقالوا: انتصر المسلمون.
فسجدت شكراً لله، ثم قالت ما فعل زوجي؟
فقالوا: أسره حماه
فقالت: أرسل في فداء زوجي.
وكان أهل مكة يرسلون الأموال ليفدوا أسراهم، وزينب لم يكن لديها ما تستطيع أن تفدي به زوجها غير قلادتها التي كانت ورثتها عن أمها السيدة خديجة. فخلعت عقد أمها الذي اهدته لها أمها خديجة عند زواجها بأبي العاص و كانت تُزيِّن به صدرها، وأرسلت العقد مع شقيق أبي العاص بن الربيع "عمرو بن الربيع" إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان النبي جالساً يتلقى الفدية ويطلق الأسرى، وحين رأى عقد السيدة خديجة
سأل : هذا فداء من؟
قالوا: هذا فداء أبو العاص ابن الربيع.
ففتحها النبي، وبكى صلى الله عليه وسلم, فرأى القلادة وقال: هذه قلادة خديجة
فأطرق الجمع مأخوذين بجلال الموقف، وساد الصمت الحزين برهة، فقطعه النبي والدموع حبيسة عينيه، وقال لهم في رقة رقّت لها أفئدة المسلمين: أيها الناس إن هذا الرجل ما ذممناه صهراً ووالله ما وجدت منه كصهر إلاّ كل خير. فهلا فككتم أسره، وهلا قبلتم أن تردوا إليها عقدها.
فقالوا: نعم يا رسول الله.
وأعطى النبي أبو العاص القلادة وقال له: قل لزينب لا تفرطي في عقد خديجة.
ثم قال له: يا أبا العاص هل لك أن أساررك؟
قال: نعم
فقال له النبي: يا أبا العاص إن الله أمرني أن أفرق بين مسلمة وكافر فهلا رددت إليّ ابنتي؟
فقال له : نعم
ثم عاد أبو العاص إلى مكة، فخرجت زينب تستقبله على أعتاب مكة فقابلها وقال لها :إني راحل.
ثم قال: لست أنا الذي سيرتحل ولكن أنت سترحلي إلى أبيك، أمر دينك بالتفريق بيني وبينك فارجعي إلى أبيك .
فقالت: فهل لك إلى أن ترافقني وتسلم؟
فقال : لا
ثم أرسل أخاه كنانة؛ ليقود بعير زينب وهى في طريقها إلى المدينة. لكن قريشًا تصدَّت لهما فأصاب هبار بن الأسود الأسدى بعيرها برمحه، فوقعت "زينب" على صخرة جعلتها تنزف دمًا وأسقطت على إثرها جنينها. فهدَّد كنانة بن الربيع قريشًا بالقتل بسهامه، إن لم يرجعوا ويتركوا زينب فرجع الكفار عنهما.
ورأى كنانة ألم زينب فحملها إلى بيت أخيه. وظلت هناك حتى بدأت تستعيد قواها بجانب أبى العاص زوجها الذي لا يكاد يفارقها لحظة. فخرج بها كنانة مرة أخري، حتى سلمها إلى زيد ابن حارثة، الذي صحبها حتى أتت بيت أبيها بالمدينة، فاستقبلها المسلمون استقبالا طيبًا حافلا.
وكان الخطاب يتقدمون لها, ولمدة ست سنوات ترفض الزواج على أمل أن يدخل زوجها في الإسلام. وبعد ست سنوات حدث أن أبو العاص كان قد خرج بقافلة من مكة إلى الشام، وهو في الطريق يتعرض له مجموعة من المسلمين في المدينة يريدون أن يستردوا الأموال التي كانت قريش قد أخذتها منهم، فقاموا بمحاصرة قافلته التي قام أفرادها بالهروب، وهو أيضاً هرب باتجاه المدينة، حتى دخل المدينة والصحابة من وراءه يبحثون عنه.
واختبأ أبو العاص في المدينة، وبدأت تنتشر الإشاعة عن اختباءه في المدينة، والصحابة يبحثون عنه، فما كان منه إلا أن سأل عن بيت السيدة زينب ووصل إليه وطرق الباب وكان هذا الوقت قبل الفجر بقليل..
فقالت: من؟
ثم فتحت الباب فوجدته أمامها.
قالت: أجئت مسلماً؟
قال: بل جئت هارباً.
فقالت: فهل لك إلى أن تسلم؟
فقال: لا
قالت: فلا تخف، مرحباً بابن الخالة، مرحباً بأبو علي وأمامة.
ثم حان موعد آذان الفجر، وصلى النبي بالناس، بعد الصلاة والسكون الذي يخيم على المدينة والمسلمون في تسبيح، وإذا بصوت يأتي من آخر المسجد: قد أجرت أبا العاص ابن ربيع.. وكان هذا صوت زينب..
فقال النبي: هل سمعتم ما سمعت؟
قالوا: نعم يارسول الله.
فقال: أما والله ما علمت من ذلك بشيء.
فالنبي سكت، ويبدو أنه كان يريد أن يتخذ قراراً، فإذا بالصوت مرة ثانية:
يارسول الله، إن أبا العاص إن بعد فابن العم وإن قرب فأبو الولد وقد أجرته يا رسول الله.
فوقف النبي وقال:أيها الناس إن هذا الرجل ماذممته صهراً وإن هذا الرجل حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي فإن قبلتم أن تردوا إليه ماله وأن تتركوه يعود إلى بلده فهذا أحب إليّ وإن أبيتم فالأمر إليكم والحق لكم ولا ألومكم عليَ
فقال الناس: بل نعطيه ماله يارسول الله.
فوقف النبي وقال: قد أجرنا من أجرت يا زينب.
ثم ذهب إليها وقال لها: أكرمي مثواه فإنه ابن خالتك وإنه أبو العيال ولكن لا يقربنك فإنه لا يحل لك .
فقالت: نعم يارسول الله
ثم ذهبت إليه وقالت له: يا أبا العاص أهان عليك فراقنا هل لك إلى أن تسلم وتبقى معنا؟
قال: لا
ثم إنه أخذ أمواله وعاد إلى مكة وأعاد الأموال إلى أصحابها ثم قال: أيها الناس هذه أموالكم هل بقي لكم شيء؟
فقالوا: جزاك الله خيراً وفيت أحسن الوفاء.
فقال: فإني أشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله، ووالله ما أسلمت حتى أرد إليكم حقوقكم.
وأصر أن يدخل المدينة ساعة صلاة الفجر، وعندما كان النبي يُسلِّم ويجلس بعد الصلاة في سكون مثلما يفعل في كل يوم، يأتي أبا العاص ويقف بين يديه ويقول له:
يارسول الله أجرتني بالأمس واليوم جئت إليك أقول لك: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنك رسول الله.
فكبر من في المسجد..
ثم قال: يارسول الله هل تأذن لي أن أراجع زينب؟
فأخذه النبي وقال تعال معي، ووقف على بيت زينب وطرق الباب، وقال: يازينب إن ابن خالتك جائني اليوم يستأذنني أن يراجعك فهل تقبلين؟
فاحمر وجهها وابتسمت. وكان ذلك في السنة السابعة للهجرة. ليتأم شمل زينب بزوجها مرة أخرى.
لكن سرعان مانزلت مصيبة الموت بزينب فماتت متأثرة بالألم الذي أصابها بالنزف عند هجرتها إلى المدينة، وكانت وفاتها -رضى الله عنها- في السنة الثامنة للهجرة، فبكاها زوجها أبوالعاص بكاءً مرّا. وحزن عليها الرسول صلى الله عليه وسلم حزنًا كبيرًا، ثم ودعها إلى مثواها الأخير.
وعاد زوجها أبو العاص إلى بنته أمامة دامع العين يقبل رأسها وفاءًا لزوجته الحبيبة زينب رضى الله عنها. فبكاها بكاء شديداً حتى رأى الناس رسول الله يمسح عليه ويهون عليه، فيقول له: والله يا رسول الله ما عدت أطيق الدنيا بغير زينب. ليموت بعد سنة من موتها رضوان الله عليهم أجمعين.