الأربعاء، 2 مارس 2011

نهارك سعيد


استيقظ "بسام" من منامه على صوت العصافير وهي تغرد, أزاح الستارة وفتح النافذة, استنشق الهواء القادم من الشمال, وحاول النظر نحو الشمس المشرقة محركا شفتاه لتنطقا "اصبحنا أصبحنا وأصبح الملك لله" . ليقوم بعدها ليتوضأ ويصلي صلاة الضحى ثم يتوجه بعدها نحو المطبخ لاعداد كوب من الحليب مستعدا للذهاب الى الجامعة.

وقبل أن يتعطر وأن يرتدي ملابسه التي كواها يوم أمس اطمأن على أسماكه التي في الحوض وصبح عليها متمنيا لها يوم سعيد,

وعندما خرج من المنزل ليركب سيارته أحس بالنسيم العليل وروعة المنظر الجميل الذي حوله, فالبساط الاخضر حيثما كان, والطيور تفرد جناحيها في السماء .. "انه فصل الربيع, ومن المؤسف ألا أستمتع بهذه اللحظات التي لا تتكرر الا قليلا في العام ". لذا قرر أن يذهب الى الجامعة بالباص لكي يمتع نظريه بالمناظر الطبيعية الخلابة.

وبالفعل استقل باصا ومن حسن حظه وجد مقعدا بجانب الشابك ,ومنذ أن جلس عينيه لم تبرح عيناه بالنظر للخارج عبر النافذة المفتوحة ,حيث الطبيعة الخضراء وأشجار اللوزيات - التي بعضها يحمل الثمار والبعض الآخر مازال يحمل أزهار تلك الثمار-, بالاضافة للمراعي التي تسرح فيها الخراف في منظر تمنى ألا يمحى من أمام عينيه.

أما أذنه فلم تحرم من شاعرية وجمالية المنظر,حيث كانت تذاع أغاني فيروز , ولم يدري ان كانت صدفة أم لا بأن تكون الأغنية في تلك اللحظات "نسم علينا الهوا" لتغنى تلك الأغنية بلحن كانت بالنسبة لبسام كلحن الحياة.

وبعد فترة ركبت امرأة كبيرة بالسن تحمل سلة, ساعدها بسام في حملها حتى تأكد من أنها جلست بالمقعد المجاور له, فشكرته وناولته قطعة من الكعك من النوع الذي تعجنه بيدها الحجات الكبار في السن.

وصل للجامعة ودخل للقاعة التي فيها المحاضرة قبل أن تبدا بربع ساعة,فتح كراسته وبدأ يراجع للمحاضرة الماضية, ويسترجع معلوماته.

بدأت المحاضرة. وبعد أن سجل المحاضر أسماء الحضور أعلن للطلاب بأنه سيعقد امتحان فجائي وأن علامته ستسجل من ضمن العلامة الفصلية. وبسبب مراجعته قبل بدء المحاضرة بربع ساعه تمكن بسام من حل أسئلة الامتحان بشكل يضمن له العلامة الكاملة.

توجه بسام بعدها لمختبر الحاسوب, وبعد ساعتين من العمل قام باعداد برنامج باحدى لغات البرمجة بالشكل الذي طلبه منه المشرف. فحفظه على ديسك ثم سلمه للمشرف ليذهب ليستعد لمباراته المرتقبة في بطولة التنس التي يشارك فيها.

استيقظ "عباس" على أشعة أشعة المشرقة والتي ملأت الغرفة وأوجعت عيناه. أغلق الستار ورجع لسريره, وما هي الا لحظات حتى أزعجه صوت العصافير وهي تغرد. تقلب وهو يحاول أن لا يعير الصوت أي انتباها, وبعد نصف ساعة مزعجة بالنسبة له قام من سريره وهو يتمنى لو كان معه بندقيه ليقتل بها العصافير.

نظر الى الساعه التي كانت تشير بتأخر موعده صحوته مما لا يسمح له الوقت من الافطار أو اعداد كوب من القهوة. "مش مشكلة. سيجارة (لايت) بتفي بالغرض لحتى اشتري من كشك أبو علي فنجان قهوة وأنا بطريقي للجامعة".

أشعل السيجارة, ثم فتح خزانة الملابس ليرتدي قميصا له: "هذا غير مكوي" , "هذا بحاجة للغسيل" , "هذا أصبح صغيرا علي" … وبعد أن رمى كل القمصان على الارض نظر نحو القميص المعلق على الشماعة: " شكله راح ألبسه برده اليوم. صحيح اني الي أربع أيام بلبسه بس ما راح تفرق على هاليوم".

وأثناء ارتدائه على عجلة من أمره انقطع زر الكم. عبس وحاول أن يفكر ماذا يفعل, ولأنه لا يوجد وقت لخياطته رفع أكمام القميص للأعلى.

وعند خروجه من المنزل تذكر أنه نسي المفتاح.. فعاد أدراجه وفتش عليه في غرفة المعيشة حيث هناك يضع كل أغراضه من موبايل ومفتاح وولاعة ومحفظة, وما أن وجده حتى غادر المنزل راكضا وركب سيارته ليقودها نحو الجامعة.

ولأن عباس لا يحب الشمس, تناول نظارته السوداء وارتداها, ثم شغل المسجل على أغاني الراب, ثم ضغط على دواسة البنزين بشكل أقوى لينطلق بسرعة جنونية.

مر على كشك أبو علي واشترى قهوته المفضله, واثناء قيادته بشكل متهور واذ بدولاب السيارة ينفجر لتنحرف السيارة عن مسارها وتدور حول نفسها وتقف بعد عدة حركات خطيرة. أما ما بداخل السيارة فكان الوضع متأزم أكثر, فقد انسكبت القهوة نتيجة الاهتزاز على عباس مما سببت له حرق آلمه وأيضا فان بنطاله قد توسخ.

خرج من السيارة مسالما جدسيا, لكنه من الداخل كالبركان يكاد ينفجر. لا يوجد وقت لاصلاح الدولاب, فهو لديه ربع ساعه لتبدأ المحاضرة والتي تغيب فيها كثيرا وسجل اسمه ضمن الأشخاص الذين يتغيبون كثيرا.

ركب تاكسي وعرض عليه بأنه سيدفع له أي مبلغ مقابل ان يسرع بالقيادة, وبالفعل وصل للمحاضرة ولكن بعد أن سجل أسماء الحاضرين الذين لم يسجل عباس من بينهم نظرا لتأخره. ثم أعلن المحاضر عن امتحان مفاجئ, ولأن عباس لم يكن يدرس من مواده شيء ولأنه قضى الاسبوع كله بلعب الشدة مع رفاقه, فكانت النتيجة طبيعية بأن يترك ورقة اجابة الامتحان بيضاء كما هي باستثناء اسمه.

توجه بعدها للمختبر, وبعد ساعتين من العمل وقبل أن يسلم عمله للمشرف, واذ التيار الكهربائي ينقطع, ولأنه لم يقم بحفظ عمله قبل أن تنقطع الكهرباء فقد مُسح كل عمله ولم يتم حفظ أي شيء منه وكأنه لم يقم بأي شيء, وبالتالي اعتبره المشرف بأنه لم يقم بانجاز المهمة التي أوكلت اليه.

وأثناء نزوله درجات الكلية واذ هو ينزلق على ظهره ليكمل نزول الدرج متشقلبا. وبالرغم من أنه استطاع القيام على قدميه, الا أن تلك السقطة سببت له بعض الالم والرضوض ستمنعانه من المشاركة في مباراته في التنس.

وعندما ذهب الى القاعة الرياضية وشرح الأسباب للجنة التحكيمية التي قررت انسحابه, جلس قريبا من احدى طاولات التنس التي كان بسام يلعب عندها. أخرج سيجارته وأشعلها, وثم نفث دخانها في الهواء وكله عصبية وتوتر لما حصل معه هذا اليوم.

لمحه بسام, فجاء اليه كعادته باسما ليلقي عليه التحية قائلا: " نهارك سعيد. كيف حالك اليوم؟ " . وما أن سمع بسام كلمتي "نهارك سعيد" حتى اشتعل غضيا وانفجر كالقنبلة التي تعرضت لشعلة من النار صارخا بشكل جنوني:

" أي نهار سعيد؟؟! اليوم من أوله مبين انه راح يكون تعيس. أي سعادة اللي بتحكي فيها؟؟!! انت جاي تكملها علي؟!! يعني جاي تتمسخر؟!! أنا ناقصني؟؟ مش بكفيني اللي فيني؟!! مين اللي باعتك علي عشان تزودها يازلمة؟؟!! انت ….."

وقبل أن يكمل كلامه رن المحمول فيفتح الخط ليستقبل صوت جاره في العمارة قائلا: " انت فين يا عباس؟ الحق شقتك عم بتنحرق, شكلك نسيت السيجارة مولعة فوق الاواعي تعونك!!"


هناك 3 تعليقات:

  1. تحياتي اليك..اشكرك اخي العزيز على عرض هذا الموضوع ..وبالمناسبة ..لقد لاحظت اسلوبك الرائع الذي يجمع بين الافادة والمرح في نفس الوقت ..ذلك اني اعجبت بكتاباتك الهادفة التي قرأتها …

    ارجو لك التوفيق من كل قلبي …

    مصطفى.

    ردحذف
  2. أخت القمر12:44 ص غرينتش+2

    الانسان عندما يتوكل على الله

    ويتفائك بالخير ..سيجده

    ولكن عندما لا يحمد الله عما يحصل له

    حتى لو كانت مصيبه

    فستزداد مصائبه وهمه

    فالحمد الله على كل شى

    ردحذف
  3. كل انسان يحدد كيف حياته ان بدأها بالتفاؤل ضحكت له وان بدأها بالغضب بكت عليه

    ردحذف