الاثنين، 13 نوفمبر 2006

الحـب القديـم

يفتح النادل له الباب, وبرفقته خطيبته واضعا يده بيدها..

وبعد أن ذكر له اسمه أرشده النادل الى الطاولة التي حجزها..

هو يرتدي ذلك المعطف الأسود فوق بدلته

أما هي فالفرو البني يدفيها من البرد الذي طغى البلاد في تلك الليلة

بالفعل انها طاولتهما التي اعتاد أن يجلسا عليها منذ خطبتهما منذ ثلاث أشهر

تلك الطاولة المجاورة للنافذة

حيث ترى هطول المطر وانقشاع القمر بين الغيوم السوداء

وبعد أن تم سحب الكراسي لهما ليجلسا عليهما

تناول النادل المعاطف

ذهب بخفي حنين ليتركهما في نشوتهما كخطيبين وحبيبين

منشغلا بتأمين طلباتهما

هو في الرابعة والثلاثين من عمره

موظف اداري في احدى الشركات

وملاك لاحدى المشاريع الصغيرة

ليس من الطبقة الغنية

ولكن مكانته واحترامه للآخرين

وتعامله واخلاصه

جعلاه يبدو من هيئته

كأنه احدى الشخصيات ذات النفوذ

هي في نفس عمره

لا يفرق بينهما سوى أشهر قليلة

مطلقة لرجل أعمال دام زواجها منه شهر واحد فقط

ليست جميلة لدرجة أن يقال أنها من أجمل الفتيات

ولكنها لطيفة ورقيقة في التعامل

وذات شخصية تجبر الآخرين على الاحترام والتقدير

تعرفا على بعضهما البعض في الشركة التي يعملان بها

وبالرغم أنه لم يفكر في الزواج لحادثة عاطفية حدثت معه منذ عشرة سنين تقريبا

وبالرغم أنها لم تكن ترى في الرجال ما يؤلف أهوائها

الا أنه النصيب كان أقوى منهما

أقوى منه لأنه كان رافضا ومعاندا لأي علاقة حب

تفتح عليه جروح الزمن الماضي الجميل

وأقوى منها لأنه تغيرت في عينيها صورة الرجال في العالم

كان الجميع يحسدهما على علاقتهما القوية

وعلى حبهما المتعطش لكليهما

ومدى هيام أحدهما بالآخر

ينظر لعينيها, فيغرق في بحور الشعر

يقلب ذاكرته في دواوين المتنبي ونزار قباني وابن جرير

هو يسبح ويغرق في تلك العينين التي ما زاح وجهه عنها

أما هي فكانت تستمتع في ذلك الغريق

وبمناداته العذبة

استأذنته للذهاب الى الحمام

وتركته وحيدا بانتظارها

تركته وحيدا بين جموع من الناس

الذين جاء كل منهم مع محبوبته

تركته وحيدا بين أحضان الموسيقى الهادئة

التي يعزها ذلك العازف

تركته وحيدا بجوار النافذة المعتمة

التي لا يرى منها سوى اضاءة السيارات وسقوط الأمطار عليها

ولكن تلك الأجواء الهادئة لم تدم

فمع بزوع البرق وهدير الرعد

طعنت عيناه برؤية مصيبة

ويا ليتها احترقت من الشمعة المجاورة له

ياليت البرق خطف بصره

ما أمامه ليس بحلم ولا خيال

انه واقع

واقعه المؤلم

انها هي

جرحه الذي طالما حاول أن يعالجه

عشر سوات حاول أن ينساها

وبالرغم من رفضه كل قصص الحب

من أجلها

الا أنه مل انتظار ذلك الأمل البعيد

انها هي

بالرغم العشر سنوات فانها لم تتغير

مازالت تحتفظ بنضارتها

وضحكتها مع لرجل الذي يرافقها

والأغلب انه زوجها

الذي استبدلته به

نعم انها هي بالتأكيد

متأكد من أنها هي

مازالت بنفس الحيوية والمشاكسة

مازالت بنفس الطريقة في الكلام

والضحك والابتسام

بالرغم من العشر سنين

التي كثيرا ما حاول أن ينساها فيها

والمحاولات الكثيرة لتغيب عن باله

والانشغال بالعمل والابتعاد عن قصص الحب والهوى

الا أنه ما زال يتذكرها

تشرب بفنجان ساخن ليس أولع من صدره

تحرك بديها في أثناء حديثها ومع كل حركة تتحرك عيناه نحوها

وكلما مال رأسها للحديث مال معه قلبه

"واامصيباه.. ماالذي أحس به..

أمازلت مغرم بها

أما زلت مولعا بها؟؟

وماذا عن خطيبتي ..؟؟

وما ذنبها؟؟

ولماذا الان؟؟

أسيبقى شبحها وظلها يغشاني..

أسأبقى في دوامة الماضي

لماذا هذه الرعشة

لماذا أسمع نبضات قلبي

لماذا أشعر بالبرد

لماذا أشعر أن الجميع ينظر نحوي

هل أنا ما زلت أحبها

هل مازلت أتمنى أن أعود معها

هل أعود معها لذلك الماضي

وأهدم الحاضر

هل أعترف بالحقيقة لخطيبتي..

هل أجرحها وأخبرها بأمري

هل ما زلت بالفعل متيم لواحدة

هل أنا ….؟؟

هل مازلت أحبها..؟؟

كلا.. من أجل الحب السامي

والعشق العفيف

والغرام الجميل

والخطيبة الرقيقة

التي ليس لها أي ذنب المسكينة"

وما هي الا لحظات فتعود الخطيبة

ووجها ليس كما كان عليه

تسأله محركة عينيها للجهة المجاورة :

"أترى تلك الطاولة المجاورة للشباك المقابل لنا؟؟"

تلعثم وبدأ يعرق.."أجل"

"أترى تلك الفتاة الجميلة مع الرجل الوسيم؟؟"

تزداد دقات قلبه والتي تكاد أن تنفجر قائلا:

"أتقصدين تلك الطاولة التي فيها الشاب والفتاة والطفلة؟؟" (محاولا أن يضللها)

"كلا .. انظر الى المجاورة لها"

محدثا نفسه: " نعم انها تقصدها هي ..يا الهي"..

"ماذا بها؟؟"

تجيب: "يا للمسكينة لتلك الفتاة الجميلة. يبدوأنها ساذجة..

من شكلها يبدو أنها لا تستحق ما يحدث لها"

علامات الخوف والتعجب والارتباك بادية عليه: "لماذا؟ وماالذي حدث؟"

"انها مغرومة من رجل مزيف.. رجل حقير

رجل مخادع.. رجل كاذب

رجل بخفي خلف وجه وجه آخر

ينافق به الناس

وقد يكون هؤلاء الناس أقرب الخلق لديه

وددت أن أقتله لأريح العالم والبشرية منه

رجل تجتمع فيه صفات النفاق , والخداع..

بقلبين.. وربما بمئة قلب

مراوغ.. بسرق قلب من يحبه

ليرميه خلفه وربما يدعس عليه

ليبحث عن قلب آخر

انه ….. "

وبقوة يضرب الطاولة من بيده

وبصوت عالي يكاد تصاحبه الدموع:

"كفى.. كفى..كفاكي

ارحمي قلبا ما غوى

ارحمي قلبا تعذب لمعرفته الهوى

ارحمي قلبا أحب منذ زمن أن كان فتى"

وبنظرة تعجب تسأله وفيهها مفتوح:

"ولماذا أنت منزعج هكذا

ولماذا أنت مهتم به ياعزيزي

كل شيء انتهى… وأنا الآن لك

أنا معك وملك لك

وقلبي معك

وروحي وعقلي ووجداني

ولا أفكر الا بك

ولن أسمح لأي نزوة سابقة أو قصة غرام قديمة

تحرق اعصابي

وتتلف ما أبنيه معك

ولست نادما على تلك الأيام

وانه لنعمة من ربي وفضل أن حدث ما حدث لأكون الآن بجانبك

وصدقني لم أكن أعلم بأنك تكره ذكر هذا الرجل

ولكن كيف عرفت أن هذا الرجل مع تلك الفتاة

كان خطيبي السابق !!"

الأربعاء، 8 نوفمبر 2006

عندما بكينا أنا والقمر

انها ليلة الخامس عشر من الشهر الهجري.. اليوم هو موعدي الخاص… اليوم هو لقائي معه وهو بكامل عطائه.. اليوم لقائي معه وهو بأبهج صوره..

الساعه التاسعه الآن وأمامي الكثير من الوقت… ولكنه من الأفضل ألا اضيع وقتي كثيرا فهو مرة بالشهر يكون بكامل حلته.. اذن فالأسرع بوضع بعض العطر وتسريح شعري وأنطلق بالسيارة

أقود السيارة ولا أدري هذه المرة الى أين أتجه.. لا أعلم متى ستقف عجلات السيارة عن الدوران.. فأنا غارق في بحر التفكير.. لأأدري ماذا أقول له.. هل أشكي له حالي؟ أم انزعاجي لغيابه عني؟ أم ضيق الدنيا بي؟؟

في النهاية وصلت الى مكان لا أدري أي هو.. ولكنه بالتأكيد هو الأنسب .. حيث الهدوء والسكون وبعيد عن أعين الناس… بعيد عن عيون هؤلاء الشرهة الماديون , الغدارون الخونة, المنافقون الحاسدون

اه تذكرت.. يجب أن أغلق الخلوي الخاص بي .. فكما لا يحب الرجل أن يعكر أحد صفوه مع معشوقته, فأنا كذلك لا أحب أن يعكر أحد صفو هذه اللحظات ….

نزلت من السيارة لألتفت حولي .. انه مكان مرتفع معتم وبعيد .. ترى على يمينك مدينة عمان مضاءة مكشوفة كلها على بعد كيلومترات.. أما يسارك فلا ترى أحد.. هدوء يخيم على المكان مع لسعة من البرودة لا حس لها مقارنة مع النار التي تلتهب بقلبي…. اذن وصلت للمكان المطلوب الأنسب.

رفعت بصري لأبحث عنه.. السماء صافية وها هوينتظرني… نعم هاهو يرحب بي.. نفس الترحيب الحار الذي يستقبلني به منذ خمسة سنوات.. ونفس الابتسامة التي يستقبلني بها … رددت عليه السلام .. وبدأت دموعي بالانسكاب.

نعم أيها القمر .. أيها الصاحب.. وأيها الحبيب.. صديق العمر .. ورفيق الدرب .. وشاهد على عصري.. هذا العصر الذي كتب أسمى معاني الحياة على ورقة وداس عليها… هذا العصر الذي لم يبقى من ذكراه الجميلة الا أنت.. وأخشى أنا أيضا أن يداس على قلبي بعدما عصر وطعن مرات ومرات.

ولكن الذي يطمئني أنهم لن يستطيعوا أن يفعلوا شيء حيالك, وان وصلوا العلماء قبل ثلاثين عام تقريبا اليك, فهم لم ولن يستطيعوا أن يغيروك… لأنك ببساطة قمري أنا .. قمري لي وحدي أنا وليس لأحد غيري… وان ادعوا انك للجميع فانهم لم يعطوك ما أعطيتك ولم يأخذوا ما أخذوا منك.

يا قمري

لماذا اسلم للبحر امري وامنح للريح ايام عمري .. ؟

وهل في البحار سوى العاصفات تروح بلؤم وتغدو بغدر

وكيف اصادق في الصبح مدا وفي الليل امنح ودي لجزر

تعبت .. تعبت من البحر لكن قلبي يصر على البعد عن بؤس بر لماذا ..

بهذه الكلمات بدأت حديثي معه.. فبالرغم من أنه يعلم ما أصابني من حال الا أنني أعدت له كل ما حدث معي… ولأن حديث العشاق سر بين العاشقين فلا يمكنني البوح بما أخبرته بالتفصيل….

وبالرغم من طول الليل.. الا أنني لم أشعر بالوقت.. لقد قضينا سهرتنا بالدموع .. أنا أشكي وابكي على حالي وهو مستمع حزين علي وعلى ما وصلت اليه, وما آلت به ظروف الحياة ومصاعبها , وما أصاب الناس من عماء قلوب قبل العيون , وما حل بالنفوس من قسوة الخواطر

انها الثانية عشر…. عن اذنك ياقمري… لقد نام الناس وأعتقد أنه من الأفضل أن نغير مكاننا… نعم فليكن لقاؤنا بعد نصف ساعة من الان عند المكان الذي أحب أن أكون فيه في كل زمان, عند تلك الناحية التي سأصعد من عندها يوم من الأيام اليك وبيدي شعلة من نورك

وصلت لذاك المكان.. حيثما تجدني هناك عندما أكون غائبا عن أنظار الناس.. بين البيوت أسير وكل على سريره.. أمر على كل من ظلمني.. ومن غيرهم أولائك الظالمون الذين سيـٌروني على جمر الليالي وشوك الأماني.. نظرت للسماء فلم أجد قمري.. أين هو؟؟ هل تركني كما تركني الناس من قبل؟؟ ألن يظهر من جديد ليسمعني؟؟؟

انه خلف الغيمة السوداء التي تحاول أن تمنعه عني.. كما منعت من كل عمري وحياتي .. كمامنعت من ماضي الجميل .. ومستقبلي المشرق…. وان نجحت كل المحاولات السابقة فها هو قمري وحبي الحقيقي يظهر من بين الغيوم ليطل من جديد معتذرا عن التأخير

ما أجملك يا قمري.. فأنت مختلف عن كل أقمار الأرض الذين كنت أظنهم أقمار ولكن ما ان بانت حقيقتهم فانه من الظلم تشبيههم بك.. فعلى الأقل أنت تقدر وتشكر وتعتذر أما هؤلاء فكل حسب ما يميل مزاجه .

وتمر سويعات الشكوى والألم والبث والحزن… فزفافي اليوم بلقيا قمري أصبح مأتم لأمري… ويبدو أن لحظة الدفن حانت عندما حان وقت الرحيل وعندها يتساقط الماء علي .. ظننته المطر.. لكنها دموع القمر.. نعم … أولئك رخصوا دمعي وهاهو قمري يبكي على صفقة بيعي….

هل أرحل عنك وقصتنا أحلى من عودة نيسان

ياحبي الأوحد لا تبكي … فدموعك تحفر وجداني

وأنطلق بالسيارة مسرعا وكلي نفس أن أرى قمري مرة أخرى بعد خسوف وأفول من ظننت أنه قمر.